ميليشيا كاكا سركيس
.... جيش من زجاج لقائد من طين
جيش المهدي وقوات بدر وجند السماء والجيش الإسلامي و البيشمركة
والحرس الوطني كل هذه الأسماء باتت ملاصقة لأذاننا من كثر ما
تتردد على شاشات التلفزة . وهي أسماء باتت تتلاعب بالحدث العراقي
الساخن وتتحكم بالحركة السياسية الركيكة والضعيفة أصلا, ولعل
لبعض من هذه الأسماء الدور الأكبر في تأسيس دويلات مصغرة داخل
العراق الكبير , فكل واحدة منها تتلاعب بزاوية معينة من العراق
وتتخذها جبهة خاصة لها متعهدة أن تخدم مصالح وقضية الجهة التي
تنتمي إليها حتى إن كانت تلك الجهة من خارج حدود العراق وذلك على
حساب قضية العراق ومصيره وحقوقه ووحدة أرضه وشعبه وجميعها تسير
خلف راية الديمقراطية والحرية التي لم نلمس منها على ارض الواقع
لحد الآن سوى شعاراتها الرنانة والبراقة وكثرة الأحزاب وكثرة
جيوشها الجرارة .
في
تلكيف( قلب سهل نينوى الآشوري) كما يلقبها البعض , هذه المدينة
التي هي كالذهب المنسي الذي باتت غاية ورغبة القوى الكبرى في
المنطقة من عرب وأكراد والتي أصبحت حلم كل من هب ودب من شمال
العراق إلى أقصى جنوبه . في هذه المدينة وفي ضل هذه المعمعة
الحاصلة وهذه الفوضى العسكرية يبدو أن بعض من مسيحييها المسيرين من
قبل جهة معينة لم يرضوا أن يكونوا المتفرج الوحيد على حاملي السلاح
فكان لا بد لهم أن يدخلوا في عمق الحدث وان يكونوا جزءا منه وذلك
بتجنيد المسيحيين وتحميلهم السلاح واضعين أمام أعينهم مصالحهم
الشخصية في للوصول إلى مراتب ومراكز عسكرية أو إدارية من دون
التفكير بعواقب دخولهم هذه المعمعة متجاهلين ما الذي من الممكن أن
تجر على المسيحيين من معانات وبالأخص عندما قرروا أن تميل كفتهم
نحو الجهة الكردية لتسلحهم و التي هي واحدة من الأطراف التي تتنازع
للسيطرة على سهل نينوى بالإضافة للعرب .
إن
فكرة ميليشيا كاكا سركيس هي قديمة ومطبقة في الأماكن ذات الغالبية
المسيحية مثل قرة قوش وتللسقف وبرطلة وباطنايا , أما في تلكيف فهي
حديث الولادة حيث طبخت في مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني وأدخلت
للكنيسة كي تعمذ وتبارك وتتبنى من قبل رجال الدين لأنها بالنسبة
إليهم هي باب جديد لسحب الأموال. فحملوها جاهزة كاملة إلى سركيس
اغاجان ليرحب بها ويباركها هو بدوره . فأغدق على حاملي الفكرة
وصانعيها ومنفذيها بآلاف الدولارات متعهدا بتمويل فكرتهم من دون
أن يضع أي اعتبار لما ستؤدي إليه مثل هذه الخطوة من مشاكل وعواقب
وخيمة على مسيحيي المنطقة , لكون أن عددهم هو الأقل في المنطقة
ولان تسليحهم يأتي من جهة أخرى غير الحكومة المركزية وهذا ما سيعزز
العداوات والضغينة بين الأطياف الساكنة في تلكيف والذي سيدفع
المسيحيين وحدهم ثمن ذلك وهذا الأمر كله ادخل ساكني المنطقة في
جملة من التساؤلات وأهمها هي ( في وجه من يريد المسيحيين أن
يرفعوا السلاح ؟ ولما لا يعتمدون الحكومة المركزية في تسليحهم ؟
ولماذا جاء هذا التسليح للمسيحيين فقط ؟ إن كان هذا لحماية المنطقة
فلما لا يشارك غير المسيحي بهذا التسليح ؟ ) .
في
كل هذه الأحداث نجد الكنيسة حاضرة دائما وبقوة من خلا كهنتها
الباحثين على أي فرصة لجني الأموال فكان دورهم هنا هو بتبني
المشروع وحمله عند سركيس و بالسماح في بداية الأمر بان يكون تسجيل
الأسماء من داخل الكنيسة ,إلى اللحظة التي ذهب فيها وفد من الرعية
عند سركيس لمناقشة بعض المواضيع المتعلقة بتلكيف فطرحوا فكرة هذه
الميليشيا وما من الممكن أن يجر من مساوئ على المسيحيين كونهم
الأقل عددا في هذه المدينة فوافق برحابة صدر على طلبهم بإيقاف
التسجيل وعند قدومهم إلى تلكيف ابلغوا الجهات المعنية بان يوقفوا
التسجيل لكن من دون جدوى حيث ادعى القائمين على التسجيل إنهم
سيسجلون الأسماء على مسؤوليتهم الشخصية ( ولم يقولوا هذا إلا
لعلمهم أن سركيس يساندهم ويدعمهم ويشجعهم على الاستمرار في تسجيل
الأسماء لميليشياته الخاصة ) مما اضطر رجال الدين( وليحافظوا على
ماء وجههم أمام أبناء الرعية) بان يأمروا القائمين على التسجيل
بان يخرجوا خارج الكنيسة ليكملوا التسجيل وهذا ما حصل فخرج احد
الأشخاص ونصب كرسيه أمام باب الكنيسة واستمر بالتسجيل ما لفت نظر
العرب المسلمين وما أثار حفيظتهم فتوجه بعض منهم إلى الكنيسة بقصد
تسجيل اسمهم لينخرطوا في ميليشيا سركيس قائلين نحن أيضا نريد أن
نحصل على ما يحصل عليه المسيحيين , فلماذا كل شيء يأتي لهم حصريا
دون غيرهم ؟ وما هو سبب هذه التفرقة الحاصلة ؟ .
من
هذه الحادثة كلها يبدوا أن سركيس غير مهتم بمصير الشعب الآشوري
المسيحي وغير مهتم بمطالبهم . فأمامهم ومن خلال كلامه يظهر بأنه
مهتم بهم وبأنه يؤيد كل مطالبهم ويعرب عن استعداده في تنفيذها ,
أما في ارض الواقع فإننا نرى حقيقة مخالفة لما يقوله تماما .
حقيقة لا تتماشى إلا مع مخططه ومصلحة صانعيه الذين يجعلون من
المسيحيين الآشوريين ومن معاناتهم وقضيتهم وسوء ظروفهم المعيشية
مجرد سلم للوصول إلى منطقة سهل نينوى لجعلها جزء لا يتجزأ من
إقليمهم . هذا من جهة أما من جهة أخرى فان هذه الحادثة أظهرت لنا
بأنه هناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون العيش من دون المثل
ألصدامي ونظامه والذي رقاهم بمناصب حزبية وعسكرية في أيام حكمه
فكان لابد لهم أن يصنعوا مثل صدامي آخر ليحقق لهم ما كانوا قد
آخذوه من صدام فوجدوا في سركيس ذلك المثل ألصدامي الذي من الممكن
أن يحقق طموحهم ويرقيهم ويعطيهم مناصب قيادية في جيشه المستحدث
ويبدو أن الطرفين كانوا بأمس الحاجة إلى بعضهما البعض فوجد كل
واحد منهم ضالته في الآخر فسركيس وجد فيهم المنفذ لمخططه ومشروعه
التوسعي والعسكري وهم وجدوا فيه صدامهم المفقود وبهذه المعادلة
البسيطة والعملية القيصرية السهلة ولد لنا (جيش من زجاج لقائد من
طين ) .
وبين سركيس اليوم والباحثين على صدام الغد تضيع الأرض الأشورية
وتسحق قدسية الكنيسة فارض آشور باتت قريبة من نهاية سرد حكاية
أبنائها , لتسرد علي أرضها حكايات أبناء غيرها . والكنيسة أصبحت
تدق أبوابها طلبا لحمل السلاح للغريب بدلا من حمل أبنائها الصليب
في وجه الغريب .
جوني خوشابا الريكاني
30/8/2007
تلكيف